الأربعاء 26 ديسمبر 2012, 03:48 | المشاركة رقم: #1 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| موضوع: أوَمضي العام ........!؟ أوَمضي العام ........!؟ عندما أسدل الليل ستاره كنت كعادتي أتململ في سريري ..يا إلهي لقد عاودني الأرق .. أخذني التفكير بعيداً .. في كل شيء.. في حالي .. في أمنيَّاتي التي كنت أحلم بها في بداية هذا العام .. يا الله .. كانت كثيرة .. تذكرت أحوال أمتي .. وتذكرت أحوالي مع الله .. تذكرت وتذكرت .. يا إلهي فزعت من مكاني وقد شدني صوت من أعماقي ...لقد مضى عام ... أسرعت إلى المرآة أنظر إلى ملامح وجهي .. هل تغيرت ؟ لقد كبرت عاماً كاملاً أبدو شاحبة .. نعم لقد فات موعد نومي لا بد أني مرهقة .. لملمت ذكرياتي وقد تبعثرت في أرجاء غرفتي .. هُرعت إلى الشرفة .. وكأن روحي قد أبحرت مغادرة ميناء قلبي .. وأخذت تحلِّق في سماء هذا الليل الذي ما أراه يزداد إلا سواداً .. وأخذت أطير مع روحي على أرجوحة ذكرى ذلك العام المنصرم .. ولكنها ليلة غير مقمرة , نعم لماذا هي متسربلة بهذا السواد الكئيب؟؟!! .. وتبدو أكثر ظلاماً .. حتى من غيرها .. شعرت بخوف .. تسارعت نبضاتُ قلبي حتى شعرت به وكأنه يخفق في أذني بل كاد أن يغص به حلقي!! .. وسرت برودة عجيبة في أطرافي .. أول مرة أتعجل مجيء الصباح .. تساءلت وأنا أرتجف .. أهي بداية عامٍ جديد .. أم نهاية عامٍ مضى ؟؟ عام كامل من حياتي سُجِّل فيه علي كل ما فعلت، ما أذكر وما نسيت وهو أكثر ...وكنت في هذا العام مراقَبة في كل ما فعلت ..ولن يعود أبداً .. وبدأ حديث قلبي .. لقد مر عامكِ كله ..ماذا عملتِ فيه ؟؟ كنتِ منصرفة لشؤونك الخاصة ..أحياناً تتعبدين وتدخلين جنة الدنيا ثم تعاودك الغفلة .. أخذت الصور تتوالى على عقلي تباعاً.. بعضها نقش في قلبي وأصبح ذكرى جميلة وأكثرها كانت أليمة فيما استمر حديث قلبي .. ..كل كلمة قلتِها في عامكِ محسوبة عليك وقد قيَّدها السفرة الكرام البررة ..نعم ترى كم كلمة قلتِها في عامك هذا المنصرم ؟؟ ترى ماذا تعلمتِ ؟ .. ماذا حفظتِ من كتاب الله ؟ .. كم من الناس اغتبتِ..؟؟ كم من مرة نمتِ فيها عن صلاة الفجر ؟؟ شعرت بخوف وهول من هذا الكلام .. أنا لا أكاد أذكر شيئاً فقد .. فقد كنت مشغولة .. وأحياناً تعبة .. وربما .. لا أدري .. وهذا عام كامل أنى لي أن أتذكر أحداثه ؟؟ ... ولكن .. لحظة .. أكان حقّاً عاماً ؟؟!! أكان عاماً كاملاً ؟؟ لعلي أخطأت الحساب .. بل لعلي متوهمة !! لقد مضى سريعاً .. كنت أنوي أن أفعل وأفعل .. أهناك من سرقه مني ؟؟ يا الله من لي سواك .. مالك أيها القلب.. دعني أنام وغداً.. غداً .. نكمل .. لابد أن أنام ..!! استمر قلبي .. نعم كان عاماً كاملاً .. فيه ما يزيد على خمسين جمعة.. في كل واحدة ساعة استجابة وكان فيه شهر الخير رمضان.. فيه ليلة القدر خير من ألف شهر.. أتراكِ فزتِ بها ؟؟ وعاشوراء، وعشر ذي الحجة.. وغيرها كثير من سائر الأيام الفضيلة التي كانت فرصاً سانحة .. ويا لخسارة من ضيَّعها .. ألا تذكرين ذلك كلَّه ؟؟ على كل حال .. ذكرتِ أم نسيتِ .. كما مر عامكِ ستمر حياتكِ كلها، ولكن حينها لا ينفع الندم ولا المحاسبة .. انظري كم من أناس كانوا معكِ في العام الماضي يمشون على الأرض بصحة وعافية فأخذهم الموت على غرَّة من غير سابق إنذار .. وقد منَّ الله عليكِ بأن أبقاكِ لهذه اللحظة لتتوبي وتستغفري وتبدئي مع إطلالته صفحة جديدة مشرقة من حياتكِ .. نعم .. مات فلان .. وفلانة ماتت على المعاصي .. حزنتِ عليها ومات الشيخ فلان .. كُفَّ يا قلبي فقد تعبت .. أجاب : راحتَكِ أريد .. اسمعي هذا الكلام من خير البرية صلى الله عليه وسلم : " نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس .. الصحَّة والفَراغ ". هيا توبي إلى الله توبة نصوح، وجدِّدي العهد، وابدئي عامكِ بتوبة خالصة، فباب الرب مفتوح يستقبل التوَّابين.. وهو سبحانه أفرح بتوبة عبده من العبد الذي وجد راحلته بعد أن أضاعها في الصحراء .. والله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر .. اندفعت من عيني دمعاتٌ ساخنة معلنة توبة صادقة إلى الله بعد أن أيقنت أن العام قد .. مضى .. مضى بلا عودة ..
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأربعاء 26 ديسمبر 2012, 03:50 | المشاركة رقم: #2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| موضوع: رد: أوَمضي العام ........!؟ أوَمضي العام ........!؟ انطفأ النور.. فمضى انطفأ النور، تعانَق العَقْرَبان، لكنَّه قَبل أن يتلاشَى، ضمَّني بشِدَّة، شعُرتُ بأنَّه يتحوَّل إلى شعاع يذوب في لحظة هي العمر، فيها مشاعرُ العام الذي يلمُّ عباءتَه، والأعوام قبْلَه، عادَ النور يتلألأ، لم أجِدْه، لم يكن هو، ولم أكن أنا، صِرْنا جسدًا واحدًا ونبضًا واحدًا. منذ الآن لن ننفصلَ أبدًا، ولن نفترق أبدًا. هذا صوتُه مِن الأفق رددتُ عليه بمشاعري: • رغمَ أنَّنا لن نلتقيَ أبدًا.. أبدًا. أنتَ عامٌ مضَى، صرتَ في لحظةٍ ذكرياتٍ حلوةً، مشاعِر تغمُرني، صرتَ بطعم (الكوكتيل)؛ فيه كلُّ الفواكه ولا تميز إحداها، صِرتَ بلون الطَّيف تتداخَل ألوانُه، فتشف ولا تحدد مداها، صرتَ، وصِرتَ، حتى كلمة "صرت" لها طعمٌ حلوٌ غير معناها بيْن الكلمات، فلم تحصُل على هذا اللَّقَب إلاَّ بعْدَ معاناتك فينا ومعاناتنا فيك. كلَّ يوم في العام الجديد أستطيع القول: "حدَث في مِثْل هذا اليوم"، وهى حِيلتي كي أتذكَّرَك، أستطيع أن أحسَّ بكَ إحساسًا أكثرَ ودًّا ووعيًا، وأنْ أرى بعيونك رؤيةً أكثرَ نُضجًا ووضوحًا، وفي داخلي مزيجٌ غريب بين فِعل المضيِّ وفعل الحضور، يتولَّد منهما فعلٌ جديد ليس مِن أفعال اللُّغة؛ بل مِن أفعال القلوب، فعل تَستحلب طعمَه، وتَستنشق عبيرَه، وتَلمس دِفئَه. عام جديد، أين القديم إذًا حتى أوليَه ظهري، أوقفْني على عتبتِه، خُذ بيدي تلمس طرف أنامله، لو كانتْ له أنملة، انشرْ في المكان رائحتَه؛ لكي أميِّزَ فرق القديم مِن الجديد، لو كان جديدًا! عام مضى، صحيح غاب، ذاب في السرمَدِ، لكنَّه أخْرَج لنا عصيره؛ رحيقًا نشرب، وعبيرًا ننتشي، وحُلمًا نضَج، كل ما خلفه ماض في تحديد ملامحه. أيُّها العام الذي يُسمُّونه "مضَى"، لِمَ وافقتَ أن تُنعتَ بهذا الاسم؟! لمَ ترضَى باسم يبخسُكَ حقَّك، يتجاهلونَ مِن خلاله دورك؟ هل يُبغضك مَن أضفتَ له خطًّا على وجهِه؟ هل لأنَّك أضأتَ لهم ليل رُؤوسهم بنورِك الفِضي؟ هل لأنَّك أبكيتَ كثيرين على أعزائهم؟ وفرقت بين محبِّين خدَعَهم الوهمُ طويلاً؟ فأنتَ أيضًا منحتَهم حيوات جديدة، وأقمتَ لهم أفراحًا عديدة، وجمعتَ بين محبِّين آخرين، وثبَّتَّ وقفةَ طِفل كانتْ مُرتَجَّة، وشددتَ ساعِد فتًى كانتْ ضعيفة، وكم أقمتَ مِن بنايات شاهقات، وكم أزهَرْتَ مِن نباتات، أبقيتَ لنا الأفراحَ وذاب الحزن في كاسات الأمَل، وصار ذكريات. أنت لم تأتِ بجَعْبة فارِغة، ولم تمضِ بلا دور، الصاخبون فقط مَن لا يحسُّون بدبيبِ أقدامِك وهو يدقُّ في رؤوسهم كالأجراس، يحاولون إسكاتَه بدقِّهم الطُّبول؛ كي ترحل عنهم، ويظنُّون في العام الجديد الخيرَ، وهم على حالهم كُسالَى، والأولى بهم الوقوف أمامَ مِرآة أنفسهم في نظرةٍ للتأمُّل وحِساب للنفس. لا أغترُّ برحِيلك الهادئ، والتسلُّل الناعِم للقادم بعدَك، الجالِس فوق مقعدِك بعدَ أن منحتَه الرقم التالي لك، بل أكاد أسمعُكَ وأنت توصيه: (هذه المرة الألفين وأحَدَ عشَر عامًا) التي يُسمَّى فيها شهر يناير، فاجعلْ بدايتك خيرًا للجميع، وأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، علِّم الناس العدلَ والمحبَّة، فالبُخل ليس مِن صفاتك، اجعلْ نسيمك واحة للجميع، وخيوط قمرِك تُلوِّن أرواحهم، وابعثْ دفءَ شمْسِك ساريًا بين المتفائلين، حتى الذين يُودِّعونني مهلِّلين لا تَحقِد عليهم مِن الآن؛ تحسُّبًا للحظة رحيلِك، هي محاولاتٌ يائِسة للتعجيلِ بالجديد. حسنًا، ما دُمتَ عزمت على الرحيل، فنحن نلوِّح لك، نَمْ قريرَ العين بجوار السِّنين، نحن على عهدِك ماضون.
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأربعاء 26 ديسمبر 2012, 03:52 | المشاركة رقم: #3 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| موضوع: رد: أوَمضي العام ........!؟ أوَمضي العام ........!؟ غفل الانسان فرح بمرور ايامه وانتهاء عمره ...مبروك جالك عام جديد في الوقت الذي يلفظُ فيه هذا العامُ أنفاسه الأخيرة، تتوالَى التهاني بقُرب ميلاد العام الجديد، وتتوالى الأُمنيات بعام سعيد مجيد، مَلِيءٌ بالأفراح وخالٍ من الأتراح. وتَمتلئ أجهزة الهواتف بأنواع الرسائل المتسابقة؛ لتكون أوَّل مَنْ يهنِّئ، وأوَّل مَنْ يُبارك ميلاد العام القادم، بينما لا تَرِد لأيٍّ منَّا رسالة تعزية واحدةٍ في العام الفقيد، الذي تسرَّبتْ منَّا أيَّامه ونحن في غفلة، وها هي لحظاته الأخيرة تتهاوى من بين أيدينا ولا ندري أكنَّا فيه من المحسنين أم من المُسيئين؟ أكنا من المقبولين أم من المردودين؟! ما جَدْوى التهنئة بعامٍ لا ندري إن كنَّا سنقفُ على أعتابه أم لا؟! ما جدوى التهنئة بعامٍ لا ندري ما تحملُ لنا أيَّامه، فلا نعلم أعام فرح هو أم حزنٍ؟! أعام إساءة أم إحسان؟! أعام كرامة أم ذُلٍّ؟ لو استُبْدِلت بهذه التهنئة دعوة أن يقبل الله ما كان من أعمالنا، ويَغفر ما فات من زَلاَّتنا، ويوفِّقنا فيما هو آتٍ - لنُحسن فيما بَقِي من أعمارنا - لكان أحرى. خلال هذا الأسبوع الذي هو الأسبوع الأخير من هذا العام، مرَّت بنا ثلاثة أحداث مريعة، الأوَّلُ: حريق مدرسةٍ أودى بحياة بعض المعلِّمات، والآخران حادثان مُفترقان لحافلتين تحملان عددًا من الطالبات في المرحلة الجامعيَّة، أحدهما: لَم تُنجُ منه سوى طالبة واحدة، بينما لَقِيت اثنتا عشرة طالبة مصرعهنَّ، والحادث الآخر: توفِّيت على إثره ثلاث طالبات - رَحِمهنَّ الله جميعًا. ترى كم واحدة منهنَّ تلقَّت تهنئة بقُرب العام الجديد؟! وكم واحدة منهنَّ أعدَّت الخُطط للعام الجديد؟! كم من الأحلام نسجت؟ وكم من الآمال بنت؟! آمالنا وأحلامنا أبعد من آجالنا، وأطول من أعمارنا. والأملُ هو حادي الأرواح ومُستحثها للعمل والبناء، والنهوض وتَرْك الدَّعة، ولكنه إن تُرِكَ لهُ العِنان، شَغَل الإنسان بدنياه، وأنساه آخرته، فانساق وراء آماله وتَبِعها، وألْهَته تلك الآمال عن العمل وعن قُرب الأجل، وعلى الضِّدِ من ذلك إنْ قلَّ أمله، انتَفَضَ قلبه وأقبلتْ نفسه على الله، ومَن أدركَ أنه عابر سبيل، وأنه لا بدَّ مُرتحل، قلَّ أملُه وطمعُه في الدنيا، وأقبل على العمل لِمَا بعد الموت؛ كان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول: "إذا أمسيتَ فلا تَنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء". خطَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - خطًّا مربَّعًا، وخطَّ خطًّا في الوسطِ خارجًا منه، وخطَّ خُطُطًا صغارًا إلى هذا الذي في الوسط مِن جانبه الذي في الوسط، وقال: ((هذا الإنسان، وهذا أجَلُه محيطٌ به، أو قد أحاطَ به، وهذا الذي هو خارجٌ أملُه، وهذه الخُطُط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا، نَهَشه هذا، وإنْ أخطأه هذا، نَهَشه هذا))؛ رواه البخاري. ويا للعجب من أمر هذا الإنسان الذي تَنهشه النوائبُ وتعترضه، وتُكَدِّر عيشه، ومع ذاك يؤمِّلُ آمالاً طوالاً، تفوق ما قُدِّرَ له من العُمر! لو وقَفنا لحظة ونظرَنا قبل أن نَلِج العام الجديد، وتساءَلْنا: ما الذي فعلناه؟ وما كانَ يجبُ أن نَفعله؟ وما الذي تركناه؟ وما كانَ يجبُ أن نتركَه؟ ما الذي قدَّمناه لأنفسنا؟ وما الذي قدَّمناه لغيرنا؟ ماذا فعلنا للدنيا؟ وماذا فعلنا للآخرة؟ ماذا؟ وماذا؟ لو حاسَبنا أنفسنا جيِّدًا على ما قدَّمته في عامها المُنصرم - لتَتداركه في عامها القادم - لكان هذا خيرًا من تَهْنئتها بعام تُضيفه إلى سابقيه دون اختلاف أو تغييرٍ. وما العِبرة في كمِّ السنوات التي نُراكمها، بل العِبرة بكمِّ الأعمال التي نُبادرها ونكسب بها الحسنات، ونعلو بها الدرجات. عاشَ سعدُ ابن معاذ - رضي الله عنه - ستَّ سنوات فقط في الإسلام، ولكنه عَمِل فيها ما اهتزَّ له عرش الرحمن، فماذا عَمِلنا نحن في عشرين أو ثلاثين أو خمسين عامًا أو أكثر عشناها في الإسلام؟! الأيام تتوالَى والسنون تتتالَى كحبَّاتِ "سبحة" تكرُّ من بين الأنامل، وتتساقطُ تِباعًا، فإذا ما انتهتِ الحبَّات وانقَضَت السنوات، وافانا هادمُ اللَّذات مُعلنًا نهايةَ هذه الحياة، فما الذي أعْدَدناه لما بعد الممات؟!
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأربعاء 26 ديسمبر 2012, 03:53 | المشاركة رقم: #4 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| موضوع: رد: أوَمضي العام ........!؟ أوَمضي العام ........!؟ في وداع عامٍ مضى وعلى أعتابِ عامٍ جديدٍ يقِفُ أولو الألباب وقفةَ اعتبارٍ وادِّكار، ينظُرون إلى هذه الشمسِ تطلُع كلَّ يومٍ من مَشرِقها ثم تغرُب في نهايته، وينظرون إلى الهلال يُولَد صغيرًا ثم يتناقص حتى يتوارَى عن الأنظار. وينظرون إلى العام الجديدِ كيف تبدو نهايتُه بعيدةً، فما تلبَثُ الشهور والأيام أن تنقضي سِراعًا حتى تصِل إلى النهايةِ. هذه حقيقة لا تخفى علينا وإنما تحجبنا عنها حجب الغفلة وصوارف الإعراض والاغترار وطول الأمل. عباد الله: إن هذه الحياة الدنيا إنما هي عرض زائل، وظل آفل سرعان ما تبلى وعما قريب ستفنى ليس لها عند الله شأن ولا اعتبار وإنما هي قنطرة إما إلى الجنة وإما إلى النار يقول الله سبحانه وتعالى ﴿ ٱعْلَمُواْ أَنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى ٱلاْمْوٰلِ وَٱلاْوْلْـٰدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِى ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوٰنٌ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ ﴾ فعلى المؤمن أن يغتنم العمر في الأعمال الصالحة وأن يبتغي فيما آتاه الله الدار الآخرة وأن يعلم أن هذه الحياة الدنيا ما هي إلا وسيلة للفوز بالحياة الباقية ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾. علينا أن ننتبه من غفلتنا وأن نستيقظ من غينا وأن نقف وقفة صدق مع أنفسنا فإن في قوارع الدهر عبر وفي حوادث الأيام مزدجر وهذه الدنيا إنما هي دار ممر والآخرة خير وأبقى يقول النبي صلى الله عليه وسلم ((إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله تعالى مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء ...)). عام كامل مضى من أيام أعمارنا وذهب من سنين آجالنا كم فيه من أوقات أهدرت وصلوات ضيعت وواجبات تركت ومعاص ارتكبت ونحن تُفرحنا الأيام إذا مضت وانقضت لأننا مددنا الآجال، وسوفنا الأعمال، وبالغنا في الإهمال، حتى صرنا كما قال الشاعر:
يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (ما ندِمتُ على شيءٍ ندَمِي على يومٍ غرَبَت شمسُهُ نقَصَ فيه عُمري ولم يَزِد فيه عمَلِي)، ويقول بعض السلف: "من أمضى يومًا من عمره في غير حقٍّ قضاه أو فرضٍ أدَّاه أو مجدٍ أثَّلَه أو حمدٍ حصَّلَه أو خيرٍ أسَّسَه أو علمٍ اقتَبَسَه فقد عقَّ يومَه وظلمَ نفسَه". يقول الفضيل بن عياض رحمه الله: من حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه ، وحضر عند السؤال جوابه ، وحسن منقلبه ومآبه ، ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته ، وطالت في عرصات القيامة وقفاته ، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته ، وأكيس الناس من دان نفسه وحاسبها وعاتبها ، وعمل لما بعد الموت ... ) يقول الله سبحانه وتعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾. عباد الله: إن عجلة الزمن تدور بسرعة فائقة لا تتوقف عند الغافل ولا تحابي الذاهل وما الناس إلا راحل وابن راحل وما الموت إلا قريب ونازل، فلا خلد في الدنيا يرتجى ولا بقاء فيها يؤمل، آجالها إلى زوال وآمالها إلى اضمحلال عامٌ يبلي عاماً وأيام تطوي أياماً ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾. الخطبة الثانية عباد الله:كم ودعنا في العام الماضي من عزيز وقريب وكم فقدنا من صاحب وحبيب سبقونا إلى القبور وتركوا الدور والقصور ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ هكذا الإنسان بينما هو يتمتع في هذه الحياة بصحته وينعم بعافيته إذا بالموت يهجم عليه هجوم الأسد على فريسته، فيضعف جسده، ويخفت صوته، وينهي قواه، ويطوي صحف أعماله وينقله من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة هذه هي النهاية التي ليس بيننا وبينها إلا أن يبلغ الكتاب أجله يقول الله سبحانه وتعالى ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾. كونوا على حذر من الأيام وتسارعها فإنها غرارة واحذروا زخارف الدنيا وزينتها فإنها غدارة فكم من مؤمل أملاً أصبح في المقابر مدفوناً وكم من مفرط أصبح بعدها مغبوناً فاغتنم حياتك قبل موتك وشبابك قبل هرمك وفراغك قبل شغلك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك. قصر الأمل وأصلح العمل واحذر مغبة الأجل وليكن عامنا الجديد عاماً مشرقاً بصدق التوبة وحسن الإنابة فكلُّ بني آدم خطَّاء، وخيرُ الخطَّائين التوابون، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (التائبُ من الذنب كمن لا ذنب له) والله سبحانه وتعالى يقول ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الأربعاء 26 ديسمبر 2012, 13:56 | المشاركة رقم: #5 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| موضوع: رد: أوَمضي العام ........!؟
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
الإشارات المرجعية |
مواضيع ذات صلة | |
|