الامام على بن ابى طالب ( رضى الله عنه وارضاه ) ولد علي بن ابي طالب في مكة المكرمة داخل البيت الحرام في يوم الجمعة من شهر رجب عام 23 قبل الهجرة , وقد لقبه رسول الله بأبي تراب لكثرة ما كان يسجد على التراب , لكن العمري اجاد في هذا السياق وقال نظما جميلا :
خلق الله ادما من تراب فهو ابن له وانت ابوهالسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام زوجته , والرسول محمد(ص) ابن عمه , فقد كان علي امين سره وحافظ احاديثه ومبلغ رسالاته , وقد اسلم على يده وهو صبي قبل ان يمس قلبه عقيدة سابقة ولازمه وهو لم يزل فتيا يانعا في غدوه ورواحه , في سلمه وحربه حتى تخلق بأخلاقه واتسم بصفاته .فقد تعهده الرسول محمد(ص) منذ مهده , فكان يغسله ويلبسه ويشربه اللبن ويحرك مهده , يحمله على صدره ويطوف به شعاب مكة , فقد طواه بعطفه وحبه وحنانه . نشأ علي في البيت الذي خرجت منه الدعوة الأسلامية , حتى تجلت على شخصيته علائم اخلاق الأنبياء , بعد ان تربى في تلك البيئة الزكية للرسول وانطلق على لسانه روائع الكلام واكتملت رجولته , فبدأ يؤازر ابن عمه , حيث غدا يومذاك شيئا من كيانه , نعم انه شيئ كثير من كيان عظيم ..يقول المؤرخ العربي توفيق ابو العلم :كان علي بن ابي طالب عليه السلام شخصية خصبة , ذو نهج لامع وفريد في الأدب والبلاغة , وهو الحكيم والخطيب المبين وهو الفارس المقدام وهو البطل الشجاع وهو صاحب الرأى في التصوف والشريعة والأخلاق الذي سبق الجميع في الثقافة الأسلامية . انه كان شديد في الحق , غليظ على الذين ينكرون الحق , وهو مظهر من مظاهر التكامل الأنساني . انه كان لطيف الحس , نقي الجوهر وضاء النفس , عارف بمهمات الأمور اصدارا وايرادا .بعد ان انتخب المسلمون الأمام علي عليه السلام في مسجد المدينة المنورة خليفة للمسلمين عام 651 للميلاد بدأ بتطبيق برنامجه الأصلاحي في اشاعة سياسة العدل والمساواة بين ابناء الأمة الأسلامية بصرف النظر عن دينهم ومذهبهم ولغتهم ولون بشرتهم واتجاهاتهم السياسية والأجتماعية . كما طلب الى الولاة ان يكونوا رحماء مع رعاياهم .عندما اطلع الكاتب الأمريكي المعاصر الشهير ميشيل هاملتون مورغان على التعليمات الأدارية التي اصدرها الخليفة الأمام علي عليه السلام الى واليه على مصر مالك الأشتر عام 656 للميلاد يحثه فيها على معاملة المواطنين من اهل الذمة من غير المسلمين بالبر والأحسان مؤكدا على ضرورة مساواة اليهود والنصارى بالمسلمين في الحقوق والواجبات , ابدى اعجابه الفائق بالسياسة الحكيمة للأمام علي , معتبرا ذلك انعكاسا صادقا لسلوكيات هذا الأمام المؤطرة بمكارم الأخلاق التي اهلته للدخول في تاريخ الأنسانية من ابوابه العريضة . حقا ان الأمام علي عليه السلام قد انتهج في ادارته للخلافة الأسلامية سياسة المسامحة واللين على هامش مكارم الأخلاق فكان لا يقتل الأسرى ولا يعذبهم بل كان يعفو عنهم ثم يخضعهم الى دروس تهذيبية , لتصقل عاداتهم المنحرفة , مما كان يعني لهم كل هذا محفزا للأنضمام الى جيش المسلمين .يخبرنا الباحث العراقي هادي العلوي من نيجين في الصين ان الرئيس الصيني ماوسيتونغ قد استرشد بأستراتيجية خليفة المسلمين علي بن ابي طالب عليه السلام عام 656 م , اي قبل اكثر من 1300 سنة اثناء حرب التحرير الشهيرة عام 1947 , بعد ان رأها مفعمة بالدرس البليغ والرؤيا المتبصرة التي يتقدم فيها سلطان العقل ويضع امام النزعة العسكرية معالما تحول دون الأنخراط في القوة المتهورة . فكان الخليفة علي في نظره نموذجا ساطعا للحنكة الرائدة ملما بعلوم التعبئة الحربية , لهذا قرر القائد الصيني تطبيق خطة الأمام علي عليه السلام على ارض الواقع التي ادت بالنتيجة الى تحقيق النصر . وفي تصريح للكاتب اللبناني الشهير ميخائيل نعيمه في حق الأمام علي يقول : ان علي ابن ابي طالب عليه السلام كان من عظماء البشر , انبتته الأرض العربية التي فجرت الدعوة الأسلامية في شخصه ينبوعا من المواهب , ولم يكن الأمام علي عليه السلام مجرد بطل في ميادين الحرب فحسب , بل كان بطلا في صفاء البصيرة وطهارة الوجدان وسر البيان وعمق الأنسانية وحرارة الأيمان ومكارم الأخلاق , وانه ليستحيل على مؤرخ مهما بلغ من الفطنة ان يكون قادرا على وصف شخصية عظيمة من معيار الأمام علي حتى لو كتب الف صفحة , ذلك العملاق الذي لم تسمعه اذن ولم تبصره عين من قبل .
وفي الختام, كان الأمام علي عليه السلام صاحب رسالة انسانية خالدة انبثقت من معين جوهر مكارم الاخلاق ولهذا بقى ذكره الحسن كالشعاع المنير يضيئ درب العدالة والاصلاح للبشرية جمعاء ماضيا وحاضرا ومستقبلا ..