وصايا الحبيب :: اقسام دعوية :: ۩╝◄ الملتقي الاسلامي العام ►╚۩ :: موسوعة التوحيد والعقيده

شاطر
عقيدة الوحدانية لله تعالى I_icon_minitimeالجمعة 03 مايو 2013, 02:30
المشاركة رقم: #1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مجلس إدارة المنتدي
الرتبه:
مجلس إدارة المنتدي
الصورة الرمزية
قطرة ندى

البيانات
عقيدة الوحدانية لله تعالى Jb12915568671
الجنس : انثى
عدد المساهمات : 2037
تاريخ التسجيل : 19/05/2011
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
مُساهمةموضوع: عقيدة الوحدانية لله تعالى


عقيدة الوحدانية لله تعالى







عقيدة الوحدانية لله تعالى
{لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ
الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ
فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ
وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن
فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ
فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ
اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا}
(173) سورة النساء.
وهاتان الآيتان تخاطبان أتباع المسيح من أهل الكتاب ، وتكشفان لهم عن موقفهم الخاطئ منه ، وفهمهم المغلوط له .
وقوله تعالى :« يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ »
أي لا تميلوا بدينكم إلى جانب الغلوّ والمبالغة فى نظرتكم إلى الأشياء ،
وتقديركم لها ، والمراد بهذا هو موقف أتباع المسيح منه ، وتأليههم له ،
على حين أن اليهود قد غالوا من جانب آخر فنزلوا بالمسيح إلى درجة
المشعوذين ، والمجدفين على اللّه ، والواقعين تحت لعنته! وقوله سبحانه :
« وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ » أي لا تقولوا فى اللّه ، وفيما ينبغى له من صفات الكمال ، إلا الحقّ ..

وإنه ليس من الحق فى شىء أن يلبس اللّه سبحانه وتعالى هذا الثوب البشرى الذي
كان عليه المسيح ، وأن يولد من رحم امرأة ، ثم يساق قسرا إلى الصلب ، ثم
يدفن مع الموتى! « إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ » فهو (أولا) رسول اللّه .. ورسول اللّه غير اللّه.


وهو (ثانيا) كلمة اللّه ألقاها إلى مريم .. وكلمة اللّه غير اللّه .. فكل شىء خلقه اللّه بكلمته « كن » فكان .. كما يقول سبحانه : « إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » (40 : النحل) وهو (ثالثا)
روح من عند اللّه .. ونفخة منه .. كالنفخة التي كان منها آدم ، وكالروح
التي كان منها الملائكة.ومن كان هذا شأنه فهو ليس إلها .. لأنه من صنعة إله
.. إذ هو مضاف إلى اللّه .. رسول اللّه .. وكلمة اللّه .. وروح من اللّه.
وقوله تعالى : « فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ »
أي فآمنوا باللّه إيمانا قائما على تنزيه اللّه أن يكون على صورة خلق من
خلقه .. وآمنوا برسله ، ومنهم عيسى ..فاللّه هو اللّه ربّ العالمين ،
وعيسى هو رسول اللّه رب العالمين .. فآمنوا باللّه ، وآمنوا برسل اللّه
..!
]

قوله تعالى :
« وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ » هو
تخطئة لهذه الكلمة الخاطئة التي يقولها من يرى اللّه ثلاثة آلهه : الآب ،
والابن ، وروح القدس .. أو هو الأب ، والابن ، والأمّ ..وقوله سبحانه :
« انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ » هو توجيه إلى قولة الحق ، وإلى طريق الحق ، بعد العدول عن قولة الزور ، وطريق الضلال ..

وقوله تعالى :« إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ».هذا هو الوصف الحق للّه تعالى : « إِلهٌ واحِدٌ » تنزّه أن يكون له ولد ، لأنه سبحانه غنى عن العالمين « لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ».. فما حاجته إلى الولد إذا احتاج الناس إلى الأولاد ؟

وقوله سبحانه :« وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا »إشارة
إلى أن التوجه إلى اللّه وحده ، هو المعتصم الذي ينبغى أن يعتصم به
الإنسان .. فليس بعد قدرة اللّه قدرة ، ولا مع سلطان اللّه سلطان
.. « وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ »(3 : الطلاق).

وقوله سبحانه : « لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ »هو
بيان لما بين اللّه وبين عباده من حدود .. فاللّه هو اللّه ، والعباد هم
العباد .. ولن يستنكف أي مخلوق من مخلوقات اللّه أن يدين له بالعبودية
والولاء .. لا المسيح ولا غير المسيح ..وإذا كان المسيح هو روح من اللّه.
فإنه قد تلبّس بالجسد .. أما الملائكة فإنهم روح من اللّه لم يتلبس بجسد ..
فهم ـ والحال كذلك ـ أولى من المسيح بأن ينازعوا اللّه فى ألوهيته ..
ولكنهم هم خلق من خلق اللّه ، وعباد من عباده .. لا يستكبرون عن عبادته!
فالقول بألوهية المسيح ـ من هذه الجهة ـ منقوض ، إذ كان الملائكة أعلى درجة
منه ، وأبعد مدى فى هذا الباب الذي دخل منه المسيح إلها مع اللّه ، أو
إلها من دون اللّه! وقوله تعالى : َ «مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً »


أي ومن يستكبر عن عبادة اللّه ، ويتأبّى أن يكون عبدا له ، فإنه سيحشر مع من يحشرهم اللّه يوم القيامة ، وسيلقى الجزاء المناسب له!

(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ
أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا
وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ
مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً »
.( التفسير القرآني للقرآن (3 / 1017))

لقد
عني الإسلام عناية بالغة بتقرير حقيقة وحدانية اللّه سبحانه وحدانية لا
تتبلس بشبهة شرك أو مشابهة في صورة من الصور وعني بتقرير أن اللّه -
سبحانه - ليس كمثله شيء. فلا يشترك معه شيء في ماهية ولا صفة ولا خاصية.
كما عني بتقرير حقيقة الصلة بين اللّه - سبحانه - وكل شيء
(بما في ذلك كل حي)
وهي أنها صلة ألوهية وعبودية. ألوهية اللّه ، وعبودية كل شيء للّه ..
والمتتبع للقرآن كله يجد العناية فيه بالغة بتقرير هذه الحقائق - أو هذه
الحقيقة الواحدة بجوانبها هذه - بحيث لا تدع في النفس ظلا من شك أو شبهة أو
غموض.


ولقد
عني الإسلام كذلك بأن يقرر أن هذه هي الحقيقة التي جاء بها الرسل أجمعون.
فقررها في سيرة كل رسول ، وفي دعوة كل رسول وجعلها محور الرسالة من عهد
نوح عليه السلام ، إلى عهد محمد خاتم النبيين - عليه الصلاة والسلام -
تتكرر الدعوة بها على لسان كل رسول
: «يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ» ..

وكان
من العجيب أن أتباع الديانات السماوية - وهي حاسمة وصارمة في تقرير هذه
الحقيقة - يكون منهم من يحرف هذه الحقيقة وينسب للّه - سبحانه - البنين
والبنات أو ينسب للّه - سبحانه - الامتزاج مع أحد من خلقه في صورة
الأقانيم اقتباسا من الوثنيات التي عاشت في الجاهليات! ألوهية وعبودية ..
ولا شيء غير هذه الحقيقة. ولا قاعدة إلا هذه القاعدة. ولا صلة إلا صلة
الألوهية بالعبودية ، وصلة العبودية بالألوهية ..ولا تستقيم تصورات الناس -
كما لا تستقيم حياتهم - إلا بتمحيض هذه الحقيقة من كل غبش ، ومن كل شبهة ،
ومن كل ظل! أجل لا تستقيم تصورات الناس ، ولا تستقر مشاعرهم ، إلا حين
يستيقنون حقيقة الصلة بينهم وبين ربهم .. هو إله لهم وهم عبيده .. هو خالق
لهم وهم مخاليق .. هو مالك لهم وهم مماليك .. وهم كلهم سواء في هذه الصلة
، لا بنوة لأحد. ولا امتزاج بأحد .. ومن ثمّ لا قربى لأحد إلا بشيء يملكه
كل أحد ويوجه إرادته إليه فيبلغه : التقوى والعمل الصالح .. وهذا في
مستطاع كل أحد أن يحاوله. فأما البنوة ، وأما الامتزاج فانى بهما لكل
أحد؟! ولا تستقيم حياتهم وارتباطاتهم ووظائفهم في الحياة ، إلا حين تستقر
في أخلادهم تلك الحقيقة : أنهم كلهم عبيد لرب واحد .. ومن ثم فموقفهم كلهم
تجاه صاحب السلطان واحد .. فأما القربى إليه ففي متناول الجميع ..[/size]

عندئذ
تكون المساواة بين بني الإنسان ، لأنهم متساوون في موقفهم من صاحب
السلطان .. وعندئذ تسقط كل دعوى زائفة في الوساطة بين اللّه والناس وتسقط
معها جميع الحقوق المدعاة لفرد أو لمجموعة أو لسلسلة من النسب لطائفة من
الناس .. وبغير هذا لا تكون هناك مساواة أصيلة الجذور في حياة بني الإنسان
ومجتمعهم ونظامهم ووضعهم في هذا النظام! فالمسألة - على هذا - ليست -
مسألة عقيدة وجدانية يستقر فيها القلب على هذا الأساس الركين ، فحسب ،
إنما هي كذلك مسألة نظام حياة ، وارتباطات مجتمع ، وعلاقات أمم وأجيال من
بني الإنسان.


إنه
ميلاد جديد للإنسان على يد الإسلام .. ميلاد للإنسان المتحرر من العبودية
للعباد ، بالعبودية لرب العباد ..ومن ثم لم تقم في تاريخ الإسلام «كنيسة»
تستذل رقاب الناس ، بوصفها الممثلة لابن اللّه ، أو للأقنوم المتمم
للأقانيم الإلهية المستمدة لسلطانها من سلطان الابن أو سلطان الأقنوم. ولم
تقم كذلك في تاريخ الإسلام سلطة مقدسة تحكم «بالحق الإلهي»
زاعمة أن حقها في الحكم والتشريع مستمد من قرابتها أو تفويضها من اللّه!
وقد ظلّ «الحق المقدس» للكنيسة والبابوات في جانب وللأباطرة الذين زعموا
لأنفسهم حقا مقدسا كحق الكنيسة في جانب .. ظل هذا الحق أو ذاك قائما في
أوربا باسم (الابن) أو مركب الأقانيم. حتى جاء «الصليبيون» إلى أرض الإسلام مغيرين. فلما ارتدوا أخذوا معهم من أرض الإسلام بذرة الثورة على «الحق المقدس» وكانت فيما بعد ثورات «مارتن لوثر» و«كالفن» و«زنجلي» المسماة
بحركة الإصلاح .. على أساس من تأثير الإسلام ، ووضوح التصور الإسلامي ،
ونفي القداسة عن بني الإنسان ونفي التفويض في السلطان ..لأنه ليست هنالك
إلا ألوهية وعبودية في عقيدة الإسلام .. وهنا يقول القرآن كلمة الفصل في
ألوهية المسيح وبنوته وألوهية روح القدس (أحد الأقانيم)
وفي كل أسطورة عن بنوة أحد للّه ، أو ألوهية أحد مع اللّه ، في أي شكل من
الأشكال .. يقول القرآن كلمة الفصل بتقريره أن عيسى بن مريم عبد للّه
وأنه لن يستنكف أن يكون عبدا للّه. وأن الملائكة المقربين عبيد للّه وأنهم
لن يستنكفوا أن يكونوا عبيدا للّه. وأن جميع خلائقه ستحشر إليه. وأن
الذين يستنكفون عن صفة العبودية ينتظرهم العذاب الأليم. وأن الذين يقرون
بهذه العبودية لهم الثواب العظيم :
«لَنْ
يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ - وَلَا
الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ - وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ
وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً. فَأَمَّا الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ
مِنْ فَضْلِهِ. وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا
فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً ، وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً».


]إن
المسيح عيسى بن مريم لن يتعالى عن أن يكون عبدا للّه. لأنه - عليه السلام
- وهو نبي اللّه ورسوله - خير من يعرف حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية
وأنهما ماهيتان مختلفتان لا تمتزجان. وهو خير من يعرف أنه من خلق اللّه
فلا يكون خلق اللّه كاللّه أو بعضا من اللّه! وهو خير من يعرف أن العبودية
للّه - فضلا على أنها الحقيقة المؤكدة الوحيدة - لا تنقص من قدره.
فالعبودية للّه مرتبة لا يأباها إلا كافر بنعمة الخلق والإنشاء.

[size=21]وهي
المرتبة التي يصف اللّه بها رسله ، وهم في أرقى حالاتهم وأكرمها عنده ..
وكذلك الملائكة المقربون - وفيهم روح القدس جبريل - شأنهم شأن عيسى عليه
السلام وسائر الأنبياء - فما بال جماعة من أتباع المسيح يأبون له ما يرضاه
لنفسه ويعرفه حق المعرفة؟!


]َ« مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً»..فاستنكافهم
واستكبارهم لا يمنعهم من حشر اللّه لهم بسلطانه .. سلطان الألوهية على
العباد .. شأنهم في هذا شأن المقرين بالعبودية المستسلمين للّه ..فأما
الذين عرفوا الحق ، فأقروا بعبوديتهم للّه وعملوا الصالحات لأن عمل
الصالحات هو الثمرة الطبيعية لهذه المعرفة وهذا الإقرار فيوفيهم أجورهم
ويزيدهم من فضله
.«وَأَمَّا الَّذِينَ
اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا
يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً» ..


وما
يريد اللّه - سبحانه - من عباده أن يقروا له بالعبودية ، وأن يعبدوه وحده
، لأنه بحاجة إلى عبوديتهم وعبادتهم ، ولا لأنها تزيد في ملكه تعالى أو
تنقص من شيء. ولكنه يريد لهم أن يعرفوا حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية ،
لتصح تصوراتهم ومشاعرهم ، كما تصح حياتهم وأوضاعهم. فما يمكن أن تستقر
التصورات والمشاعر ، ولا أن تستقر الحياة والأوضاع ، على أساس سليم قويم ،
إلا بهذه المعرفة وما يتبعها من إقرار ، وما يتبع الإقرار من آثار ..

ريد
اللّه - سبحانه - أن تستقر هذه الحقيقة بجوانبها التي بيناها في نفوس
الناس وفي حياتهم. ليخرجوا من عبادة العباد إلى عبادة اللّه وحده. ليعرفوا
من صاحب السلطان في هذا الكون وفي هذه الأرض فلا يخضعوا إلا له ، وإلا
لمنهجه وشريعته للحياة ، وإلا لمن يحكم حياتهم بمنهجه وشرعه دون سواه.
يريد أن يعرفوا أن العبيد كلهم عبيد ليرفعوا جباههم أمام كل من عداه حين
تعنو له وحده الوجوه والجباه. يريد أن يستشعروا العزة أمام المتجبرين
والطغاة ، حين يخرون له راكعين ساجدين يذكرون اللّه ولا يذكرون أحدا إلا
اللّه. يريد أن يعرفوا أن القربى إليه لا تجيء عن صهر ولا نسب. ولكن تجيء
عن تقوى وعمل صالح فيعمرون الأرض ويعملون الصالحات قربى إلى اللّه. يريد
أن تكون لهم معرفة بحقيقة الألوهية وحقيقة العبودية ، فتكون لهم غيرة على
سلطان اللّه في الأرض أن يدعيه المدعون باسم اللّه أو باسم غير اللّه
فيردون الأمر كله للّه .. ومن ثم تصلح حياتهم وترقى وتكرم على هذا الأساس
...


إن
تقدير هذه الحقيقة الكبيرة وتعليق أنظار البشر للّه وحده وتعليق قلوبهم
برضاه وأعمالهم بتقواه ونظام حياتهم بإذنه وشرعه ومنهجه دون سواه .. إن
هذا كله رصيد من الخير والكرامة والحرية والعدل والاستقامة يضاف إلى حساب
البشرية في حياتها الأرضية وزاد من الخير والكرامة والحرية والعدل
والاستقامة تستمتع به في الأرض .. في هذه الحياة .. فأما ما يجزي اللّه به
المؤمنين المقرين بالعبودية العاملين للصالحات ، في الآخرة ، فهو كرم منه
وفضل في حقيقة الأمر. وفيض من عطاء اللّه.

وفي
هذا الضوء يجب أن ننظر إلى قضية الإيمان باللّه في الصورة الناصعة التي
جاء بها الإسلام وقرر أنها قاعدة الرسالة كلها ودعوة الرسل جميعا قبل أن
يحرفها الأتباع ، وتشوهها الأجيال .. يجب أن ننظر إليها بوصفها ميلادا
جديدا للإنسان تتوافر له معه الكرامة والحرية ، والعدل والصلاح ، والخروج
من عبادة العباد إلى عبادة اللّه وحده في الشعائر وفي نظام الحياة سواء


والذين
يستنكفون من العبودية للّه ، يذلون لعبوديات في هذه الأرض لا تنتهي ..
يذلون لعبودية الهوى والشهوة. أو عبودية الوهم والخرافة. ويذلون لعبودية
البشر من أمثالهم ، ويحنون لهم الجباه. ويحكمون في حياتهم وأنظمتهم
وشرائعهم وقوانينهم وقيمهم وموازينهم عبيدا مثلهم من البشر هم وهم سواء
أمام اللّه ..


ولكنهم يتخذونهم آلهة لهم من دون اللّه .. هذا في الدنيا .. أما في الآخرة «فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً ، وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً» .


إنها
القضية الكبرى في العقيدة السماوية تعرضها هذه الآية في هذا السياق في
مواجهة انحراف أهل الكتاب من النصارى في ذلك الزمان. وفي مواجهة
الانحرافات كلها إلى آخر الزمان ..


ومن
ثم دعوة إلى الناس كافة - كتلك الدعوة التي أعقبت المواجهة مع أهل الكتاب
من اليهود في الدرس الماضي - أن الرسالة الأخيرة تحمل برهانها من اللّه.
وهي نور كاشف للظلمات والشبهات. فمن اهتدى بها واعتصم باللّه فسيجد رحمة
اللّه تؤويه وسيجد فضل اللّه يشمله وسيجد في ذلك النور والهدى إلى صراط
اللّه المستقيم :
«يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ
جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً
مُبِيناً. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ
فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ ، وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ
صِراطاً مُسْتَقِيماً»


وهذا القرآن يحمل برهانه للناس من رب الناس.

«يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ».إن طابع الصنعة الربانية ظاهر فيه يفرقه عن كلام البشر وعن صنع البشر .. في مبناه وفي فحواه سواء.
وهي قضية واضحة يدركها أحيانا من لا يفهمون من العربية حرفا واحدا ، بصورة تدعو إلى العجب.
كنا على ظهر الباخرة في عرض الأطلنطي في طريقنا إلى نيويورك ، حينما أقمنا صلاة الجمعة على ظهر المركب ..
ستة
من الركاب المسلمين من بلاد عربية مختلفة وكثير من عمال المركب أهل
النوبة. وألقيت خطبة الجمعة متضمنة آيات من القرآن في ثناياها. وسائر ركاب
السفينة من جنسيات شتى متحلقون يشاهدون! وبعد انتهاء الصلاة جاءت إلينا -
من بين من جاء يعبر لنا عن تأثره العميق بالصلاة الإسلامية - سيدة
يوغسلافية فارة من الشيوعية إلى الولايات المتحدة! جاءتنا وفي عينيها دموع
لا تكاد تمسك بها وفي صوتها رعشة. وقالت لنا في انجليزية ضعيفة : أنا لا
أملك نفسي من الإعجاب البالغ بالخشوع البادي في صلاتكم ..ولكن ليس هذا ما
جئت من أجله .. إنني لا أفهم من لغتكم حرفا واحدا. غير أنني أحس أن فيها
إيقاعا موسيقيا لم أعهده في أية لغة .. ثم .. إن هناك فقرات مميزة في خطبة
الخطيب. هي أشد إيقاعا. ولها سلطان خاص على نفسي!!! وعرفت طبعا أنها
الآيات القرآنية ، المميزة الإيقاع ذات السلطان الخاص! لا أقول : إن هذه
قاعدة عند كل من يسمع ممن لا يعرفون العربية .. ولكنها ولا شك ظاهرة ذات
دلالة!

فأما الذين لهم ذوق خاص في هذه اللغة ، وحس خاص بأساليبها ، فقد كان من أمرهم ما كان يوم واجههم محمد - صلى اللّه عليه وسلم -
بهذا القرآن .. وقصة الأخنس بن شريق ، وأبي سفيان بن حرب ، وأبي جهل
وعمرو بن هشام ، في الاستماع سرا للقرآن ، وهم به مأخوذون ، قصة مشهورة
وهي إحدى القصص الكثيرة .. فعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ : "حَدَّثَنِي
الزُّهْرِيُّ قَالَ : حُدِّثْتُ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ ، وَأَبَا سُفْيَانَ ،
وَالْأَخْنَسَ بْنَ شَرِيقٍ ، خَرَجُوا لَيْلَةً لِيَسْتَمِعُوا مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي
بِاللَّيْلِ فِي بَيْتِهِ ، وَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسًا
لِيَسْتَمِعَ فِيهِ ، وَكُلٌّ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِ صَاحِبِهِ ،
فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ حَتَّى إِذَا أَصْبَحُوا وَطَلَعَ الْفَجْرُ
تَفَرَّقُوا ، فَجَمَعَتْهُمُ الطَّرِيقُ فَتَلَاوَمُوا ، وَقَالَ :
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : لَا تَعُودُوا فَلَوْ رَآكُمْ بَعْضُ سُفَهَائِكُمْ
لَأَوقَعْتُمْ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا , ثُمَّ انْصَرَفُوا حَتَّى إِذَا
كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ عَادَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى
مَجْلِسِهِ ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ
تَفَرَّقُوا ، فَجَمَعَتْهُمُ الطَّرِيقُ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ
مِثْلَ مَا قَالُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ . , ثُمَّ انْصَرَفُوا فَلَمَّا
كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ أَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسَهُ
، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ
تَفَرَّقُوا ، فَجَمَعَتْهُمُ الطَّرِيقُ ، فَقَالُوا : لَا نَبْرَحُ
حَتَّى نَتَعَاهَدَ لَا نَعُودُ ، فَتَعَاهَدُوا عَلَى ذَلِكَ ، ثُمَّ
تَفَرَّقُوا فَلَمَّا أَصْبَحَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ أَخَذَ عَصَاهُ ,
ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى أَبَا سُفْيَانَ فِي بَيْتِهِ فَقَالَ :
أَخْبِرْنِي يَا أَبَا حَنْظَلَةَ عَنْ رَأْيِكَ فِيمَا سَمِعْتَ مِنْ
مُحَمَّدٍ فَقَالَ : يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ
أَشْيَاءَ أَعْرِفُهَا وَأَعْرِفُ مَا يُرَادُ بِهَا . فَقَالَ الْأَخْنَسُ
: وَأَنَا وَالَّذِي حَلَفْتُ بِهِ , ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى
أَتَى أَبَا جَهْلٍ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ فَقَالَ : يَا أَبَا
الْحَكَمِ مَا رَأْيُكَ فِيمَا سَمِعْتَ مِنْ مُحَمَّدٍ ؟ فَقَالَ : مَاذَا
سَمِعْتَ ؟ تَنَازَعْنَا نَحْنُ وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ الشَّرَفَ ؛
أَطْعَمُوا فَأَطْعَمْنَا ، وَحَمَلُوا فَحَمَلْنَا ، وَأَعْطَوْا
فَأَعْطَيْنَا حَتَّى إِذَا تَجَاثَيْنَا عَلَى الرُّكَبِ وَكُنَّا
كَفَرَسَيْ رِهَانٍ قَالُوا : مِنَّا نَبِيٌّ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنَ
السَّمَاءِ ، فَمَتَى نُدْرِكُ هَذِهِ ؟ وَاللَّهِ لَا نُؤْمِنُ بِهِ
أَبَدًا ، وَلَا نُصَدِّقُهُ ، فَقَامَ عَنْهُ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ "
( دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ (511 ) صحيح مرسل)
والذين
لهم ذوق في أي جيل يعرفون ما في القرآن من خصوصية وسلطان وبرهان من هذا
الجانب ..فأما فحوى القرآن .. التصور الذي يحمله. والمنهج الذي يقرره.
والنظام الذي يرسمه. و«التصميم» الذي يضعه
للحياة .. فلا نملك هنا أن نفصله .. ولكن فيه البرهان كل البرهان على
المصدر الذي جاء منه وعلى أنه ليس من صنع الإنسان ، لأنه يحمل طابع صنعة
كاملة ليس هو طابع الإنسان.



وفي هذا القرآن نور :«وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً»
..نور تتجلى تحت أشعته الكاشفة حقائق الأشياء واضحة ويبدو مفرق الطريق
بين الحق والباطل محددا مرسوما .. في داخل النفس وفي واقع الحياة سواء ..
حيث تجد النفس من هذا النور ما ينير جوانبها أولا فترى كل شيء فيها ومن
حولها واضحا .. حيث يتلاشى الغبش وينكشف وحيث تبدو الحقيقة بسيطة
كالبديهية ، وحيث يعجب الإنسان من نفسه كيف كان لا يرى هذا الحق وهو بهذا
الوضوح وبهذه البساطة؟!


وحين
يعيش الإنسان بروحه في الجو القرآني فترة ويتلقى منه تصوراته وقيمه
وموازينه ، يحس يسرا وبساطة ووضوحا في رؤية الأمور. ويشعر أن مقررات كثيرة
كانت قلقة في حسه قد راحت تأخذ أماكنها في هدوء وتلتزم حقائقها في يسر
وتنفي ما علق بها من الزيادات المتطفلة لتبدو في براءتها الفطرية ،
ونصاعتها كما خرجت من يد اللّه ..ومهما قلت في هذا التعبير : «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً»
.. فإنني لن أصور بألفاظي حقيقته ، لمن لم يذق طعمه ولم يجده في نفسه!
ولا بد من المكابدة في مثل هذه المعاني! ولا بد من التذوق الذاتي! ولا بد
من التجربة المباشرة! «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا
بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ
وَفَضْلٍ ، وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً»
..والاعتصام
باللّه ثمرة ملازمة للإيمان به .. متى صح الإيمان ، ومتى عرفت النفس
حقيقة اللّه وعرفت حقيقة عبودية الكل له. فلا يبقى أمامها إلا أن تعتصم
باللّه وحده. وهو صاحب السلطان والقدرة وحده .. وهؤلاء يدخلهم اللّه في
رحمة منه وفضل. رحمة في هذه الحياة الدنيا - قبل الحياة الأخرى - وفضل في
هذه العاجلة - قبل الفضل في الآجلة - فالإيمان هو الواحة الندية التي تجد
فيها الروح الظلال من هاجرة الضلال في تيه الحيرة والقلق والشرود. كما أنه
هو القاعدة التي تقوم عليها حياة المجتمع ونظامه في كرامة وحرية ونظافة
واستقامة - كما أسلفنا - حيث يعرف كل إنسان مكانه على حقيقته. عبد للّه
وسيد مع كل من عداه .. وليس هذا في أي نظام آخر غير نظام الإيمان - كما جاء
به الإسلام - هذا النظام الذي يخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة
اللّه وحده. حين يوحد الألوهية ويسوي بين الخلائق جميعا في العبودية. وحيث
يجعل السلطان للّه وحده والحاكمية للّه وحده فلا يخضع بشر لتشريع بشر
مثله ، فيكون عبدا له مهما تحرر!

فالذين آمنوا في رحمة من اللّه وفضل ، في حياتهم الحاضرة ، وفي حياتهم الآجلة سواء ..«وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً» ..وكلمة «إليه»
.. تخلع على التعبير حركة مصورة. إذ ترسم المؤمنين ويد اللّه تنقل خطاهم
في الطريق إلى اللّه على استقامة وتقربهم إليه خطوة خطوة .. وهي عبارة يجد
مدلولها في نفسه من يؤمن باللّه على بصيرة ، فيعتصم به على ثقة .. حيث
يحس في كل لحظة أنه يهتدي وتتضح أمامه الطريق ويقترب فعلا من اللّه كأنما
هو يخطو إليه في طريق مستقيم.
إنه مدلول يذاق .. ولا يعرف حتى يذاق!( فى ظلال القرآن (2 / 818))




عقيدة الوحدانية لله تعالى Fgfdgdf
عقيدة الوحدانية لله تعالى Ghghghg




الموضوع الأصلي : عقيدة الوحدانية لله تعالى // المصدر : منتديات أحلى حكاية // الكاتب: قطرة ندى


توقيع : قطرة ندى








مواضيع ذات صلة


عقيدة الوحدانية لله تعالى Collapse_theadتعليمات المشاركة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة




Powered by wsaya
Copyright © 2015 wsaya,