وصايا الحبيب :: اقسام دعوية :: فداك ابي وامي يا رسول الله :: آلـرـد عـلي آلقــرآنـيـن

شاطر
5- قَبَسَـاتٌ مِنَ الرسول [تعبد الله كأنك تراه] I_icon_minitimeالأحد 20 فبراير 2011, 00:00
المشاركة رقم: #1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مؤسس المنتدي
الرتبه:
مؤسس المنتدي
الصورة الرمزية
admin

البيانات
5- قَبَسَـاتٌ مِنَ الرسول [تعبد الله كأنك تراه] Jb12915568671
الجنس : ذكر
الجدي
عدد المساهمات : 578
تاريخ الميلاد : 01/01/1983
تاريخ التسجيل : 03/10/2009
العمر : 41
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://wsaya.alafdal.net
مُساهمةموضوع: 5- قَبَسَـاتٌ مِنَ الرسول [تعبد الله كأنك تراه]


5- قَبَسَـاتٌ مِنَ الرسول [تعبد الله كأنك تراه]



5- قَبَسَـاتٌ مِنَ الرسول [تعبد الله كأنك تراه]

قَبَسَـاتٌ مِنَ الرسول صلى الله عليه وسلم(5)

تعبد الله كأنك تراه

".. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " [45].

* * *

الإحسان.. أن تحسن الشيء فتجعله حسناً.

والإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه!

كان السؤال قبل ذلك عن الإسلام، ثم عن الإيمان. الإسلام درجة والإيمان بعد ذلك درجة، وهذه هي درجة الإحسان. لكي يكون إسلامك حسناً وإيمانك كذلك.

تعبد الله كأنك تراه..

تعبير عجيب يحمل في بساطته حقيقة هائلة.

وأروع ما يروعني - وقد يكون هذا تأثراً - أنه يفاجئك وأنت تقلب وجهك في الآفاق، باحثاً عن الإجابة، يفاجئك بالقبلة التي ينبغي أن تتجه إليها! فإذا أنت - على غير توقّع منك - ترى النور..

النور الذي يبهر العين والقلب ويبهر الروح.

ترى الله...

(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ... نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).



* * *

القاعدة الكبرى التي يقيم عليها الإسلام بناءه كله: هي أن تعبد الله كأنك تراه.

يقيم عليها نظمه جميعاً، وتشريعاته وتوجيهاته جميعاً..

نظام السياسة. نظام الاقتصاد. نظام المجتمع. موقف الفرد من الدولة وموقف الدولة من الفرد. نظام الأسرة. معاملات الأفراد، معاملات الدول في السلم وفي الحرب.. كل شيء في هذه الحياة!

ولقد يخطر للإنسان - أول ما يخطر - أن هذه عبادة! أليست هي: أن " تعبد الله "؟!

بل قد يخطر للإنسان أنها العبادة القصوى، التي ينقطع فيها الإنسان عن كل شيء في الحياة، ليخلو إلى ربه، يخلو له بوجدانه وحسه وقلبه.. هنالك في عزلة عن الآخرين!

وإنها لعبادة حقاً، ما في ذلك شك، وإنها لأقصى العبادة كذلك.

ولكنها - وهي أقصى عبادة العبد للرب - لتعود من عزلتها وخلوتها، فتتسع وتتسع حتى تشمل كل محيط الإنسانية!

بل إنها - منذ لحظتها الأولى، وفي خلوتها - لهي النور الساطع الذي يضيء جنبات الحياة، في ذات اللحظة التي يضيء فيها جنبات النفوس.

حقيقة واحدة ظاهرة وباطنة، تشمل الفرد وحده وتشمله في محيط الجماعة، فإذا هي شعور وسلوك، وعبادة وعمل في آن!!

الإسلام كله هذه الحقيقة.

الإسلام - وحده - هو الذي يجعل العبادة عملاً والعمل عبادة، والذي يربط النفس والجسم، والسماء والأرض، والدنيا والآخرة كلها في نظام.

* * *

تعبد الله كأنك تراه..

إنه عالم واسع يفيض بالحب، ويفيض بالتقوى، ويفيض بالأمل، ويفيض بالرهبة، ويفيض بالنور.

الإنسان في مواجهة مولاه. في مواجهة الذات العظمى الخالقة القاهرة المستعلية المشرفة على جميع الكائنات. والنور - نور السماوات والأرض - يغمره من كل جانب، وينفذ إلى أعماقه، فيضيء ثنايا قلبه، ويستقر فيه.

الإنسان في مواجهة مولاه... بنفسه جميعاً. بكل جوارحها وكل خلجاتها. بظاهرها وباطنها، بدقائقها ولطائفها، بأسرارها وما هو أخفى من الأسرار..

وكلها مكشوفة لله.. " فإن لم تكن تراه فإنه يراك "!

يا الله! إنها الرهبة والقشعريرة تملأ النفوس.

عين الله البصيرة النافذة إلى كل شيء في هذا الوجود، إلى كل نأمة وكل خاطرة وكل فكرة وكل شعور.. إنها تراك وترقبك. سواء كنت متيقظاً لهذه المراقبة أم غافلاً عنها. وسواء أعددت نفسك لها أم كنت من المعرضين.

وإنه لخير لك أن ترى الله كما يراك.. خير لك أن تتوجه إلى حيث ترقبك العين البصيرة النافذة. فتأمن المفاجأة!

إنها الرهبة في الحالين.. الرهبة في حضرة المولى العزيز العليم القوي الجبار.. ولكنها الرهبة والأمل هنا، والرهبة والذعر هناك!

الرهبة والأمل وأنت متوجه إلى الله، مخلص له قلبك، عامل على رضاه..

والرهبة والذعر حين تتوجه بعيداً عنه وهو من ورائك محيط! فخير لك إذن أن تعبد الله كأنك تراه!

وحين تتوجه إليه بنفسك جميعاً، ظاهرها وباطنها، وسرها ونجواها.. وحين تتوجه إليه وفي نفسك شعور التقوى الخاشعة والرهبة العميقة.. فلا شك أنك ستنظف نفسك وتحرص على نظافتها.

إن الله لا تخفى عليه خافية. فكيف تستتر منه وأنت مقبل عليه؟ كيف يمكن أن تعمل عملاً واحداً لا يراه؟

(وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [46] (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [47] (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) [48] (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) [49].

يا الله! حتى خائنة الأعين! الخائنة التي يظن الإنسان أنه وحده الذي يحسها ويعرفها، وألا أحد في الوجود كله يراها أو يفهمها؟

حتى الوسوسة التي لا يطلع عليها أحد، وصاحبها نفسه قد ينساق معها دون أن يتيقظ لها؟

حتى السر. بل ما هو أخفى من السر. الخطرات التائهة في مسارب النفس، لا تصل إلى ظاهر الفكر، ولا يتحرك بها اللسان للتعبير!

يا الله! إنه لا ستر إذن ولا استخفاء.

كل نفسك مكشوفة وأنت مقبل عليه. أفلا تنظف نفسك إذن قبل الاتجاه. ألا تزكيها؟

(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا).

فأما إن كنت معرضا عنه غير متوجه إليه. إن كنت لا تنظف له نفسك ولا تزكيها. فلن يغير ذلك شيئا من الأمر!

إنه يراك! يراك بكل ما تصنع بنفسك من " تدسية " ومن سوء. يراك بخبائثك وأوضارك. يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

يراك. فما الفائدة في التستر والاختفاء؟ بل ما الفائدة من الإعراض والانصراف؟ الملك غير ملك الله تذهب؟ و " بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ "؟! " أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ". أم حسبوا أنهم معجزون في الأرض؟ أم حسبوا أن يفلتوا من العقاب؟

كلا! ما شيء من ذلك بمستطاع. فخير لك أن تراه وهو يراك!

وإنه لا يكلفك من أمرك رهقاً!

(هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [50]. (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) [51]. (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ..) [52].

إن رحمة الله واسعة. وإنه ليعلم ضعف الإنسان وما ركب في طبيعته من حب الشهوات: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ..) [53]. ويعلم أن الجهد شاق والسفر طويل.

لذلك يقول: " فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ "..

ويقول: " ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ". ادعوني لكل شيء! وادعوني - فيما تدعونني إليه - لأعينكم على تنظيف أنفسكم من وعثاء الطريق!

هل جربت أن تستعينه في هذا الأمر؟

صدق الله وصدق وعده الحق.

ما يتوجه له إنسان يستعينه على نظافة النفس وطهارة القلب، إلا استجاب له وأعانه على ما يريد!

وما هو بسحر ساحر! ولكن هكذا يحدث حين يتجه القلب إلى الله ويخلص في دعواه. إنه يجد الأمر عليه هيناً، ويجد نفسه أكبر من المغريات وأقوى من المعوقات. ويحس - إحساساً ملموساً مجسماً - أن الله هو الذي يعينه وييسر له السبيل!

ومع ذلك كله فقد تضعف في الطريق وتخور قواك. فهل يلفظك من رحمته ويحل غضبه عليك؟

كلا! ما دمت لم تنكص على عقبيك ولم تتنكب الطريق.

إنه يغفر. يغفر الذنوب جميعا، وسعت رحمته كل شيء.

(وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [54]

(إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [55].

(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) [56]

كلا! لن يلفظك من رحمته ما دمت باقياً على الطريق. وما عليك إلا أن تقوم من عثرتك وتنفض ثوبك وتتجه إليه من جديد...

* * *

وحين تتوجه إليه. حين ترقبه كأنك تراه. حين تنظف نفسك وتحرص على ألا تتلوث في الطريق. حين تحاسب نفسك على كل صغيرة وكبيرة خشية أن تكون قد حدت. حين تراجع كل عمل عملته وكل كلمة قلتها وكل خاطرة وسوست بها نفسك وكل حركة تحركتها جارحة من جوارحك..

حينئذ يستقيم الأمر كله في هذه الحياة.

أمر الحاكم والمحكوم. والفرد والمجتمع. والمرأة والرجل. والوالد والولد. والأمة والأمم على أوسع نطاق.

كيف يظلم الحاكم حين يرقب الله كأنه يراه؟ كيف تتجه نفسه إلى الشر والبطش والله يقول: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [57] (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [58] وكيف يضع في مكان العدل الذي يطلبه الله نزواته هو وهواه؟

والعدل بالنسبة للحاكم ميدان واسع فسيح، يشمل كل سياسة الحكم، وسياسة المال، وكل معاملاته " الرسمية " ومعاملاته " الشخصية ". وهو مأمور في كل منها أن يرقب الله، ويعبده كأنه يراه.

لا يمكن حينئذ أن يتعدى حدود الله أو يعتدي على حرمات الله.

فلا يمكن مثلاً أن يعلن الحرب أو يبرم السلم إلا في سبيل الله و في حدود ما بيَّن الله. والله يقول: (وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ). ويقول: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). ويقول: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ).

ولا يركن إلى أعداء الله ولا يتخذ بطانة منهم فالله يقول: (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً). ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ).

وهكذا وهكذا حتى يشمل ذلك سلوكه كله، وتصرفاته كلها، منذ يتسلم الأمانة حتى يسلمها إلى الله أو إلى الناس. لا يفلت عمل واحد ولا فكرة ولا رغبة من رقابة الله ورقابة الضمير.

* * *

والمعبود كذلك حين يعبد الله كأنه يراه.

فعليه عمله يؤديه بالأمانة اللازمة والاجتهاد الواجب. لا يخدع ولا يغش ولا يتكاسل ولا يتشاغل. ولا " يسدد الخانات " دون إنتاج حقيقي. ولا يعمل على الضرر وهو عالم به. ولا يبغي الفتنة ولا الفساد في الأرض. ولا يستغل مال الدولة. ولا يطمع فيما ليس له.

ولا يقبل الظلم كذلك! فهو مكلف أن يذود الظلم عن نفسه وعن غيره، وإلا فما هو بمؤمن بالله، ولا هو يعبده كأنه يراه! (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً).

والزوج الذي يرعى الله في زوجته. والزوجة التي ترعى الله في زوجها. والوالد والولد. والجار والصديق. والجندي والقائد. والصغير والكبير...

إن المجتمع كله كله... لا شيء فيه البتة يخرج من هذه الكلمة الصغيرة التي تشمل كل شيء: تعبد الله كأنك تراه!

* * *

وحين كان المسلمون الأوائل يعبدون الله كأنهم يرونه كانت تلك الأمة العجيبة الفريدة في التاريخ! (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).

كان الحاكم يقول: " اسمعوا وأطيعوا ما أطعت الله فيكم. فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ".

وكان يقول: " إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني "

وكان وهو يحارب كسرى وقيصر، ويواجه أكبر إمبراطوريتين في التاريخ، لا يضيق بالتقويم الذي طلبه من الناس بنفسه. فيقبل من رجل من المسلمين أن يقول له: لا سمع لك علينا اليوم ولا طاعة حتى تبين لنا كذا وكذا. فلا يغضب، بل يجيبه في الحال إلى طلبه ويبين له.

وكان يقول: لو أن بغلة بصنعاء عثرت لرأيتني مسئولاً عنها!

وكان يعمل على توطيد العدالة الاجتماعية في المجتمع حتى أمكنه - لأول مرة في التاريخ - أن يلغي الفقر من المجتمع، كما حدث أيام عمر بن عبد العزيز! وكان الجندي يقول: أليس بيني وبين الجنة إلا أن أقتل هذا الرجل أو يقتلني؟ ثم يقتحم المعركة ليصيب إحدى الحسنيين!

وكان القائد يُعزل في زهوة النصر فلا يضطغن ولا يتمرد ولا يترك ميدان القتال. وإنما يستمر يجاهد في سبيل الله جندياً لا إمارة له ولا سلطان.

وكان البائع يستحي من الله أن يكسب ما ليس له بحق، فيرد نقوداً أخذها صبيه دون علم منه من أحد المشترين. ويصر على ردها إليه حتى والمشتري يحلف بالله أنه دفعها راضياً وأن البضاعة في نظره تستحق. وكان الزوج يعاشر زوجته بالمعروف، والزوجة تصون عرض زوجها في غيبته. فيذهب إلى ميدان القتال ويغيب بالشهور وهو مطمئن إلى بيته وعرضه وماله. لا يقربها السوء!

وكان المجتمع نظيفاً...

لا تقوم علاقات الناس على الغش في البيع والشراء. لا يعهد الإنسان إلى العامل أو الصانع بالعمل وهو متوجس منه خيفة أن يغشه أو يدلس عليه أو يسرق الأمانة ويذهب إلى غير رجوع!

لا يتحدث الرجل إلى الرجل وهو يعلم أنه يكذب عليه ويخدعه. ويبادله في الوقت ذاته الكذب والخداع!

لا يكذب الوالد على أبنائه فيعلمهم الكذب بالقدوة السيئة. ولا يكذب الابن على الوالد، لأنه لا يتعامل معه، وإنما يتعامل مع الله!

ولا يسرق الشاب عرض امرأة متزوجة أو فتاة غريرة. ولا تخرج الفتاة متبرجة في سوق الفتنة تحاول أن توقع الشباب!

لم يكن الناس ملائكة! كانوا بشراً ما يزالون! ولكنهم بشر مستقيمو الفطرة لا عِوَج في نفوسهم ولا التواء. متحابون إلى الله. متعاونون على البر والتقوى لا متعاونون على الإثم والعدوان.

وكانت هناك جريمة.. فإن وجه الأرض لم يخل من الجريمة في وقت من الأوقات. ولكنها كانت الشذوذ الذي يثبت القاعدة. ولم تكن القاعدة هي الشذوذ!!

* * *

ومن ثم انطلقت هذه الأمة تنشئ تاريخاً لم يسبق في التاريخ!

ليس الفتح وحده هو الذي يلفت النظر، وإن كان حقيقاً بالتسجيل في سرعته الخاطفة التي لا مثيل لها من قبل ولا من بعد في التاريخ. ففي خمسين عاماً كان العالم الإسلامي الذي بدأ من لا شيء قد امتد من المحيط للمحيط. وكان كله - أو معظمه - قد اعتنق العقيدة الجديدة، وانقلب محارباً في سبيلها لا يهدأ حتى يراها قد بلغت إلى أفق جديد!

وإنما الذي يلفت النظر هو تلك القمم العالية التي بلغها في كل اتجاه. قمم العدالة الشامخة والعظمات النفسية والروحية التي تتكاثر وتتواكب في هذه الحقبة الصغيرة من التاريخ.

واتساع الجوانب وتعدد الآفاق. في الحرب والسلم. في السياسة والاجتماع. في الحضارات المختلفة التي استوعبها الإسلام، ومثلها تمثيلاً رائعاً فامتص ما فيها من خير، وألقى بالزبد إلى الفناء.

في الروابط القوية المتينة التي شملت العالم الإسلامي كله، وفاضت منه إلى غير المسلمين حتى وهم يكيدون للدين. وحتى وهم يحاربونه أبشع حرب وأدنسها في أيام الصليبيين.

هذه الروابط المتينة التي صنعت معجزة لم تتكرر في غير الإسلام. إذ فسدت الحكومة - مبكراً، على أيدي الأمويين والعباسيين - ولكن المجتمع ظل إسلامياً، متماسكاً، متكافلاً، تربطه روح الأخوة والمودة ما يقرب من ألف من السنين!!

* * *

ذلك كله كان أثر العبادة الحقة، التي تعبد الله كأنها تراه!

ولقد كان القدوة الكبرى في ذلك دون شك هو الرسول الأعظم، منشئ هذه الأمة ومربي قادتها وجنودها على هدي الله وهدي الإسلام.

كان صلى الله عليه وسلم يرى الله كل لحظة من لحظات حياته الطويلة العريضة الشاملة الفسيحة.

كان يراه وهو يتلقى الوحي عنه - سبحانه - فتطيقه نفسه وتستوعبه إلى الأعماق.

وكان يراه وهو ينطلق في مناكب الأرض يدعو الناس إلى هذا الوحي لكي يهتدوا به إلى الله.

وكان يراه وهو في بيته زوجاً وأبًا ورب أسرة.

ويراه وهو مع الناس وقريباً ومعلماً وهادياً إلى سواء السبيل.

ويراه وهو يقاتل في سبيل الله، وهو يعقد السلم ويرجع من جهاد إلى جهاد.

ولا نتحدث عن العبادة في الخلوة فهي في غير حاجة إلى حديث.

يراه. ويعيش معه كل لحظات حياته، وكل مشاعر نفسه، وكل خلجاتها وكل سرها ونجواها.

ولا تضعف نفسه عن التلقي، ولا يضعف قلبه عن استيعاب النور الذي يغمره كلما رآه.

هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاتم النبيين وسيد المرسلين

* * *

ثم كان أصحابه الذين صنعهم على عينيه، ورباهم تربية خبير عليم.

كانوا يرون الله بقدر ما تطيق نفوسهم وبقدر ما تصطبر على الأفق الأعلى المشرق المضيء الذي لا تحتمله النفوس، إلا أن تقبس قبسات من فيض الله الغامر، وقبسات من الرسول.

ثم كانت نفوس على مدار الزمن تتفرق أحياناً، وتجتمع أحياناً، تعيش على حب الله والعمل في سبيله، وعبادته كأنها تراه.

وما تزال هذه النفوس حيثما لقيها الإنسان، يحس في الحال بالفارق الحاسم بينها وبين الذين لا يعبدون الله، أو الذين يعبدونه على حرف فإن أصابهم خير اطمأنوا به وإن أصابهم شر انقلبوا على أعقابهم.. خسروا الدنيا والآخرة.

تحس على الفور حين تلقى أحداً منهم أنك أمام " إنسان ". إنسان بهذا المعنى الذي كرمه خالقه وفضله على كثير ممن خلق. إنسان تأنس إليه وتستريح عنده، تستريح في تعاملك معه وفي علاقاتك. تستريح إلى الاستقامة النظيفة التي لا عوج فيها ولا التواء.

وتحبه..

لا تملك إلا أن تحبه ولو خالفك في أفكارك وأعمالك ومشاعرك واتجاهاتك.

تحبه لأن فيه قبسة من نور الله... وتحاول - إن استطعت - أن تقفو خطاه..

ومن ثم كان حرص الإسلام ونبي الإسلام، وهو يعلِّم الناس دينهم. أن يبين لهم الإحسان. ويصفه لهم في أخصر لفظ وأجمله. " تعبد الله كأنك تراه ". ويوقظ قلوبهم بوجدان التقوى وخشية الله: " فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".

ومن ثم كذلك كان حرص الإسلام ونبي الإسلام، على ألا يقف الناس عند أول مراتب الإسلام ولا أول مراتب الإيمان. إنما يحاولون بلوغ الإحسان، ويحاولون على الدوام!

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

[45] رواه مسلم. من حديث طويل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: " بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه ووضع كفيه على فخديه وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإسلام أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً. قال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.. ".

[46] سورة ق [ 16 ].

[47] سورة غافر [ 19 ].

[48] سورة طه [ 7 ].

[49] سورة الحاقة [ 18 ].

[50] سورة الحج [ 78 ].

[51] سورة البقرة [ 286 ].

[52] سورة التغابن [ 16 ].

[53] سورة آل عمران [ 14 ].

[54] سورة آل عمران [ 134 - 136 ].

[55] سورة الفرقان [ 70 ].

[56] سورة الزمر [ 53 ].

[57] سورة المائدة [ 8 ].

[58] سورة النساء [ 58 ].

[59] رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.


توقيع : admin








مواضيع ذات صلة


5- قَبَسَـاتٌ مِنَ الرسول [تعبد الله كأنك تراه] Collapse_theadتعليمات المشاركة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة




Powered by wsaya
Copyright © 2015 wsaya,