وصايا الحبيب :: اقسام دعوية :: فداك ابي وامي يا رسول الله :: آلـرـد عـلي آلقــرآنـيـن

شاطر
6- قَبَسَـاتٌ مِنَ الرسول [وليُرِح ذبيحته] I_icon_minitimeالسبت 19 فبراير 2011, 23:58
المشاركة رقم: #1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مؤسس المنتدي
الرتبه:
مؤسس المنتدي
الصورة الرمزية
admin

البيانات
6- قَبَسَـاتٌ مِنَ الرسول [وليُرِح ذبيحته] Jb12915568671
الجنس : ذكر
الجدي
عدد المساهمات : 578
تاريخ الميلاد : 01/01/1983
تاريخ التسجيل : 03/10/2009
العمر : 41
التوقيت

الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
https://wsaya.alafdal.net
مُساهمةموضوع: 6- قَبَسَـاتٌ مِنَ الرسول [وليُرِح ذبيحته]


6- قَبَسَـاتٌ مِنَ الرسول [وليُرِح ذبيحته]


6- قَبَسَـاتٌ مِنَ الرسول [وليُرِح ذبيحته]

قَبَسَـاتٌ مِنَ الرسول صلى الله عليه وسلم(6)

وليرح ذبيحته

" إن الله كتب الإحسان على كل شيء ؛ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته " [59].

* * *

يا الله! يا رحمة نبيه..!

" وليرح ذبيحته ".. ومتى؟ وهو مقدم على ذبحها!!

ألا إنها رحمة أنبياء. ألا إنها روح الله.

إنه مرتقى للمشاعر البشرية يبلغ القمة التي ليس وراءها شيء. إلا ذلك النور الأعظم الذي ينير الكون كله وينفذ إلى قلوب الكائنات.

إنها الرحمة التي لا تقف عند الأناسى من الخلق، ولا يحكمها انحياز الإنسان لنفسه واعتداده بجنسه. وإنما تتعداها إلى المجال الواسع الفسيح الذي يشمل كل الأحياء في الكون.

ثم لا تقف عند هذا المدى - وهو في ذاته قمة عالية - وإنما ترتقي درجة أخرى!

فالرحمة بالأحياء درجة " مفهومة " على أي حال، سواء وفق إليها القلب البشري أم انحرف عنها وشذ.

مفهوم أن تقول لي: لا تقتل هذا العصفور. فإنه ضعيف مسكين. وهو جميل لطيف لا يستحق القتل.

ومفهوم أن تقول لي: لا تقتل هذه الفراشة الطائرة القافزة الرشيقة، فإنك لن تستفيد شيئاً من قتلها، وهي في رشاقتها اللطيفة جمال يحسن أن تمتع به حسك وروحك.

بل مفهوم أن تقول لي: لا تقتل هذه الزهرة الجميلة - حتى إن كانت لا تتألم للقتل - فهي على غصنها هكذا جميلة.. أجمل منها في يدك أو في عروة ثيابك.

كل ذلك مفهوم. والقلب البشري الطيب يمكن أن يوجه إليه في يسر، فيعتاده فيصبح من طباعه.

ولكنها درجة - وراء هذا المفهوم - أعلى وأشف - أن أقول لك: هذه الذبيحة التي ستذبحها، والتي لن تكون حية بعد لحظات.. أحْسِنْ ذبحتها ولا تطل آلامها ولا " تمتها موتات " كما ذكر البخاري في حديث قريب من هذا الحديث [60].

وليرح ذبيحته!

إنها كلمة تهز الوجدان هزاً وهي تذبح. وهي تساق إلى العدم. إلى الفناء. إلى حيث لا توجد ولا تشعر.

ما القيمة " العملية " لإراحة الذبيحة هذه الثواني المعدودة التي تنتقل فيها من عالم الوجود إلى عالم الفناء؟ بل ما قيمة إراحتها وأنت مقبل على إيلامها أشد ألم يمكن أن تتعرض له وهو الذبح؟

في الظاهر.. لا شيء!

وفي الباطن.. كل شيء!

إن الذبيحة ميتة ميتة. أرحتها أم لم ترحها. وهي متألمة متألمة، سواء قطر قلبك رحمة بها أم كنت تذبحها مجرد القلب من المشاعر متلبد الوجدان. وهي لن تلقاك بعد اليوم فتشكو إليك عنفك معها، إن كنت ممن يفهمون عن هذه الخلائق، ويجاوبون ما يصدر عنها من الأحاسيس. ولن يضيرها كثيراً - وهي مسوقة إلى الفناء الكامل الوشيك - إنها ذاقت - قبل ذلك بلحظة - شيئا من الغلظة أو شيئاً من الجفاء!

إذن فما القيمة العملية بالنسبة للذبيحة.. لا شيء!

ولكن القيمة " العملية " لك أنت.. كل شيء!

وهل ثمة شيء أكبر من أن يكون لك قلب إنسان؟!

* * *

وكذلك الشأن في أمر القتل..

" فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ".

والمسلم - المخاطب بهذا القول من جانب الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقتل إلا بالحق: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) [61] (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً.. وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) [62] (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) [63] " كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله " [64].

لا شبهة إذن في أن الشخص الذي يقتله المسلم مستحق للقتل. مستحق لأنه كافر، أو مرتد، أو قاتل، أو زان محصن، أو مفسد في الأرض، مثير للفتنة، خارج على السلطان القائم على شريعة الله.

ولا شبهة في أن هذا القتل يتم بإذن من الله. بل بأمر منه وتحريض: (وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) [65]

ومع ذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بإحسان القتل!

ونعود إلى قصة الذبيحة فنراها تنطبق مرة أخرى على القتيل.

إن القتيل لن يستفيد شيئاً من أن تحسن قتلته. فهو مفارق الدنيا. والألم واقع به ما له عنه من محيص. فيستوي أن تحسن أو لا تحسن أو أن الفارق في الحقيقة ضئيل.

فما القيمة العملية من إحسان القتل بالنسبة للقتيل؟ لا شيء بطبيعة الحال!

ولكن القيمة الكبرى - مرة أخرى - هي لك أنت. هي أن يكون لك قلب إنسان!



* * *

ولكن حديث الرسول الكريم لا يقف عند هذين الأمرين: الذبحة والقتلة، وإنما يسوقهما فقط على سبيل المثال.

وبسبب هذين المثالين قد يغلب على الظن أن الرحمة وحدها هي المقصود من الحديث.

ولكن الأمر ليس كذلك. فالمقصود هو " الإحسان ". والرحمة صورة من صور الإحسان.

" إن الله كتب الإحسان على كل شيء " والإحسان - هنا، كما في الحديث السابق - هو الأداء الحسن. الأداء الكامل. الأداء المتقن. الأداء الجميل.

والمثالان المذكوران هما المشير الذي يبين الاتجاه. الاتجاه إلى " الإنسانية ".

إن الخلاصة المستفادة من المثالين: أن الإنسان لا ينبغي أن يندفع مع دوافعه الطبيعية ويترك لها العنان. إنما ينبغي وهو يأخذ في التنفيذ أن يهذب الوسائل وينظف الأداء، ليكون جديراً بتكريم الله له والخلافة في هذه الأرض.

ومن ثم فالحديث واسع شامل يشمل كل عمل وكل فكرة وكل شعور.

إنه بنص اللفظ يشمل " كل شيء ". هكذا على الاتساع. وهو يعبر عن فكرة إسلامية أصيلة، أو فكرتين تلتقيان عند هدف واحد.

أن الإسلام لا يكتفي بأداء الأعمال - كل الأعمال - على أية صورة، وإنما يتطلب " الإحسان " في الأداء.

وإنه لا يقنع من الناس أن يؤدوا ضروراتهم بلا زيادة، بحجة أنها ضرورة، وإنما يتطلب الإحسان في التنفيذ.

المعنى الأول واضح في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " [66] وواضح كذلك في أمر الذبحة والقتلة.

فالمطلوب هو الإتقان الذي تصحبه مشاعر الإنسانية. ويصحبه الإحساس بالله في قرارة الضمير، والعمل من أجل خشيته ومن أجل مثوبته ورضاه. " تعبد الله كأنك تراه ".

والمعنى الثاني واضح في سيرة الرسول وأحاديثه الكثيرة التي تهدف إلى تهذيب النفس، خاصة وهي تؤدي ضروراتها الغليظة التي ليس عنها محيص.

ونضرب مثالين من أدق الأمثلة وأدلها على ما نريد: قضاء " الضرورة " وشئون الجنس.

" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتناجى اثنان على غائطهما، ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه، فإن الله يمقت ذلك " رواه أبو داود وابن ماجه.

" عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق والظل " رواه أبو داود وابن ماجه

وعن أبي أيوب: " إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره. شرقوا أو غربوا " رواه البخاري.

" وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها في الغائط كتب له حسنة ومُحي عنه سيئة " رواه الطبراني.

والأحاديث في هذا الموضوع كثيرة من أن تورد كلها. وهدفها كلها واحد. هو تهذيب القيام بهذه الضرورة، وإحاطتها بآداب معينة تلطف غلظتها وتخفف من معنى " الضرورة " فيها. إذ تجعلها سلوكاً وأدباً فيه " اختيار " وترفع.

وقد لا تبدو لنا اليوم - الدلالة الكاملة لهذه التوجيهات. إذ صار لقضاء الضرورة أدوات نظيفة ووسائل مهذبة. ومع ذلك فما زال في المدينة - وفي العاصمة ذاتها - قوم يقضون حاجاتهم على قارعة الطريق وأمام الناس. أما الريف...!

ولكن الدلالة النفسية لا ينبغي أن تفوتنا على أي حال. فالتهذيب فيها واضح. وواضح كذلك محاولة رفع " الإنسان " عن مستوى الحيوان، حتى وهو يقضي ضرورته التي يشترك فيها مع الحيوان.

أما الجنس فأمره أعجب وأوضح دلالة.

ليس في الأرض شريعة ولا نظام يعترف بالجنس نظيفاً كريماً كالإسلام.

يكفي أن نذكر فقط أن الإسلام وهو يأتي زوجه يذكر اسم الله الكريم. وليس في الإسلام أقدس من ذكر الله، ولا أنظف مما يقرأ اسم الله عليه.

والإباحة فيه - في حدوده الشرعية، أي الزواج - أوضح من أن تحتاج إلى دليل.

(نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) [67]

" إن في بضع أحدكم لأجراً. قالوا يا رسول الله إن أحدنا ليأتي شهوته ثم يكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر " [68].

وغيرها وغيرها كثير...

والرسول صلى الله عليه وسلم قد أخذ من هذا المباح بقسط كامل لا شبهة فيه، واستمتع منه بكل ما يحل لمسلم أن يستمتع به في هذه الحياة.

ومع ذلك فلينظر كيف كان الأمر...

تروي السيرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يغطي وجه زوجته حين يضاجعها في الفراش.. وروى الخطيب من حديث أم سلمة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يغطي رأسه ويغض صوته ويقول لامرأته: "عليك بالسكينة".

* * *

الحياء والترفع إلى هذا الحد!

ليس الجنس شهوة الحيوان الجائع الذي لا يملك نفسه أن يندفع هائجًا إلى التنفيذ.

وليس غلظة الشبق التي تتلمظ على متاع لذيذ.

وليس نزوة الجسد الفائر التي تختنق في بخارها عاطفة القلب وإشراقة الروح.

ومع ذلك فإن دعوة الرسول للناس أن يهذبوا العمل الجنسي لم تكن دعوة إلى الزهادة أو إطفاء المتعة أو تبريد حرارتها.

كلا! على العكس من ذلك. لقد كان يدعوهم إلى المتاع ويحببهم فيه بل كان في الواقع يوسع مساحته في النفس، ويزيد من متعته، حين يرفعه من لهفة الجسد الخالصة إلى " عواطف " " ومشاعر " " ومودة ".

فقد كان ينهى عن المواقعة دون رسول يسبقها ويمهد لها من مداعبة وعواطف جياشة.

وليست هذه دعوة الذي يريد أن يحرم الناس من المتاع أو يفسده عليهم. بل دعوة من يريد تهذيبهم ورفعهم من مستوى الحيوان إلى مستوى الإنسان، مع " إحسان " تلذذهم بهذا المتاع، حتى يصبح متاعاً " جميلاً " تدخل فيه كل عناصر النفس، ويدخل فيه " الفن " بتعبيره الجميل.

والقرآن يصف الصلة بين الرجل والمرأة على أنها " سكن " و " مودة ": (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [69]. وهو تعبير جميل أخاذ يشمل كل صلات الجنس، ولكنه يشملها في مستواها الأرفع. في مستوى " الإنسان ".

* * *

ذلك هو الإحسان في شئون الجنس. وهو أمر واضح الدلالة على نظرة الإسلام لهذه الأمور.

الضرورة تُقضى. نعم. لا كبت ولا حجران. ولا استقذار للدوافع الفطرية في ذاتها. ولا الإحساس بالذنب عند الإتيان. ولكنه التنظيف رغم ذلك وتهذيب الوجدان.

والجنس - من كثرة ما أبدى في شأنه فرويد وأعاد - مظنة أن تكون الأديان تستقذره وتنفّر منه. والإسلام بخاصة لا يجنح لحظة واحدة لهذا الاستقذار. لكنه - وهو يحض على الإحسان في كل شيء - يحض كذلك عليه في شئون الجنس، حتى وإن كان يشترك في الضرورة مع الحيوان.

والدليل القاطع على أن هذه قاعدة عامة في الإسلام لا يختص بها الجنس وحده، وإنما تشمل كل تصرفات الإنسان وضروراته، الدليل على ذلك هو آداب الطعام.

فليس ثمت شك في أن الطعام طاهر نظيف مباح. بل مأمور به (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) [70].

ومع ذلك فله آداب. آداب تهذب تناوله، وتكسر شراهته، وترتفع به عن محيط الحيوان إلى محيط الإنسان.

" عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُتنفس في الإناء أو ينفخ فيه " رواه أو داود والترمذي.

" عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: أكلت ثريدة من خبز ولحم ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أتجشأ، فقال: "يا هذا كف عنا من جشائك! فإن أكثر الناس شبعاً في الدنيا أكثرهم جوعاً يوم القيامة "! رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد.

فهو الإحسان إذن. وليس المنع والحجران.

* * *

ونحن - في القرن العشرين - أحوج ما نكون إلى هذه الحكمة من الرسول صلى الله عليه وسلم.

إننا نعيش في قرن يؤمن بالإحسان في العمل بمعنى الإخلاص والإتقان. وإن كنا نحن مع الأسف - في العالم الإسلامي الذي تلقى عن نبيه هذا التوجيه - ما نزال بعيدين عن هذه الروح.

ونحن نعيش كذلك في قرن يؤمن بالتهذيب في كثير من أمور الدنيا: في تناول الطعام، وقضاء الضرورة، والوقوف في الصف أثناء شراء تذاكر السينما، والاعتذار المؤدب عن أقهل هفوة، وإزجاء الشكر على أبسط الخدمات.

ولكنه مع ذلك لا يؤمن بالتهذيب في شئون الجنس. ويقول عنه إنه نفاق!

ولا نقصد بالتهذيب ما كان يصنع الرسول في فراشه. فذلك مرتقى رفيع لا يطيقه الكثيرون.

ولا نقصد كذلك ما أوصاهم به في فراشهم من تحويل الجنس إلى مشاعر ومودة وأخذ وعطاء.. فذلك شأنهم غن أرادوا أن يستفيدوا بنصيحة الرسول فلأنفسهم الفائدة، وهم الذين سيزدادون متعة وهم يوسعون مساحة الجنس في نفوسهم، فلا تقف عند متعة الجسد، بل تصبح علاقة جسد وعلاقة قلب وعلاقة روح كلها في آن.

وإنما نقصد مستوى أدنى من ذلك وألصق بحياة الجماعة كلها لا بحياة الأفراد.

تلك هي " الفضيلة " بمعناها الاجتماعي. أن يكون الجنس في حدوده المشروعة ولا يكون نهباً مباحاً للأجساد الظامئة على قارعة الطريق..

ذلك هو الذي يسمونه نفاقاً في القرن العشرين!

ولماذا هو نفاق؟ لأن الجنس " ضرورة " بيولوجية، فلا شأن له بالأخلاق!

وي!؟ والطعام ليس ضرورة؟ والملبس ليس ضرورة؟

فلماذا تحتفلون كل هذا الاحتفال " بآداب " المائدة و " أصول " الملبس ولا تكتفون فيهما بقضاء الضرورات؟

* * *

ونحن نتحدث هنا عن " الإحسان " ولا نتحدث عن الأخلاق!

نريد أن نرتفع عن مستوى الضرورة. نريد أن نتذوق الآفاق العليا التي يرفعنا إليها الإسلام.

نريد أن نتذوق طعم " الإنسانية " فإنه والله طعم جميل حين تتوجه له النفس، وحين يؤمن الإنسان أنه إنسان!

الجمال فطرة " الطبيعة ". فطرة الحياة التي خلقها الله.

والحياة لا تكتفي بقضاء الضرورة، ولكنها تهدف دائماً إلى الإحسان في الأداء.

أرأيت هذه الزهرة الجميلة الفياحة الشذى المتناسقة الألوان؟

أتظن أن ذلك " ضرورة "؟

قالوا: لتجتذب إليها النحل فينتج منها العسل غذاء وشفاء للناس! وتساعد كذلك في تلقيح النبات!

فهل تظن ذلك؟ هل من " الضرورة " بالقياس إلى النحل أن يكون في الزهرة كل هذا الجمال؟

كلا والله! فالنحل خَلْق متواضع! وإنه ليحط على الزهرة الرائعة التناسق كما يحط على الزهرة العادية الجمال

فليس جمال الزهرة إذن ضرورة! وكل الأهداف " البيولوجية " يمكن أن تتم في أبسط زهرة كما تتم في أجمل الأزهار.

ورأيت هذه " الطبيعة "؟

رأيت حمرة الشفق المبدعة ورأيت جمال الصبح الوليد؟

رأيت روعة الجبال تبهر الأنفاس وتهز الوجدان؟

والبحر الممتد إلى غير نهاية منسرب الموج، تراه في الليل الساكن كأنما تعمره الأطياف.. أو الأشباح؟

والليلة القمراء.. هل " ذقتها "؟ و " ذقت " طعم السحر في ضوئها، وظلها، وأطيافها الساربة وحديثها المهموس؟

هل تظن ذلك ضرورة؟

وأين هي الضرورة في ذلك كله، والحياة ممكنة ومستطاعة بغير هذا الجمال؟

ورأيت هذا الوجه الرائع؟

هاتان العينان الحالمتان اللتان يطل منهما عالم عميق الأغوار.. تلك التقاطيع المنسقة.. هذا المعنى المعبر.. تلك " الروح " التي تطل من وراء القسمات؟

تظن ذلك ضرورة؟ وما الضرورة؟

أليست كل العمليات " البيولوجية " من طعام وشراب وتنفس تتم في أقبح وجه وأجمل وجه على السواء؟

بل.. نداء الجنس ذاته. ألا يتحقق في كل أنثى وكل ذكر بصرف النظر عن ذلك الجمال؟

كلا. إنه ليس " ضرورة ".. وإنما هو " جمال ".

هو " إحسان " في الأداء لا مجرد الأداء!

تلك فطرة الحياة كما خلقها الله.. فطرة " الطبيعة ".

والإسلام دين الفطرة..

يلتقي مع ناموس الحياة الأكبر. لأنه منزل من عند الله خالق الحياة، وخالق الفطرة التي يسير عليها الكون والحياة.

لذلك لا يكتفي الإسلام من الإنسان بمجرد أداء الضرورة. لأنه حينئذ يكون متخلفاً عن الحياة، ناشزاً عن فطرتها، متأخراً إلى الوراء.

وهو الحياة في أعلى آفاقها - يريد أن يكون الإنسان واصلاً إلى الحياة، منسجماً معها، مساوقاً لها، ملتقياً معها في كل اتجاه.

لذلك يعمد إلى تهذيب النفوس. يدخل في أعماقها، ويسكن في أطوائها، ويوجهها من باطنها. يوجهها إلى الجمال. إلى الإحسان. الإحسان في كل شيء. الإحسان في الأعمال والإحسان في الأفكار والإحسان في المشاعر.

" إن الله كتب الإحسان على كل شيء "..

وحين تتجه النفس إلى الإحسان. حين تتهذب المشاعر وينظف السلوك. حين تخرج الضرورة عن قهرها القاهر فتصبح سلوكاً مهذباً " تختاره " النفوس، وتتفاضل في أدائه..

حينئذ يلتقي الإنسان مع الكون والحياة..

يلتقي معهما في نظرة واحدة شاملة رفيعة. اسمها الإحسان. أو اسمها الجمال.

والله جميل يحب الجمال.

ــــــــــــ

[60] " أتريد أن تميتها موتات؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها؟ ".

[61] سورة الإسراء [ 33 ].

[62] سورة الفرقان [ 63 - 68 ].

[63] سورة المائدة [ 32 ].

[64] رواه الشيخان.

[65] سورة النساء [ 84 ].

[66] رواه البيهقي.

[67] سورة البقرة [ 223 ].

[68] رواه مسلم.

[69] سورة الروم [ 21 ].

[70] سورة الأعراف [ 31 ].


الموضوع الأصلي : 6- قَبَسَـاتٌ مِنَ الرسول [وليُرِح ذبيحته] // المصدر : منتديات أحلى حكاية // الكاتب: admin


توقيع : admin








مواضيع ذات صلة


6- قَبَسَـاتٌ مِنَ الرسول [وليُرِح ذبيحته] Collapse_theadتعليمات المشاركة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة




Powered by wsaya
Copyright © 2015 wsaya,